Anjuman-E Rahmania Ahmadia Sunnia Trust

الاحتفال بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم عبر التاريخ

إعداد: سيد محمد جلال الدين الأزهري

استاذ قسم الدراسات الإسلامية, جامعة سادارن, شيتاغونغ. بنغلاديش

خطيب, جامع مسافر خانه, شيتاغونغ, بنغلاديش.

====

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد،

فنعلم جميعا أن النعمة الكبرى والإحسان الأكبر والمن الأعظم من الله عز وجل هو ذات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنه هو الرسول الأعظم ورحمة للعالمين وخاتم النبيين وشفيع المذنبين، إذ قال الله تعالى في إعلاء شأنه:  ) لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ([سورة التوبة-128] فثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم  هو الوسيلة العظمى وصاحب المرتبة العليا في الدنيا والآخرة، فلا يحصل الفلاح والسعادة لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا به وبواسطته عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

يَقُولُ الْعَبَّاسَ بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنهما : يَا رَسُولَ اللَّهِ، ” إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَمْتَدِحَكَ , قَالَ : ” قُلْ لَا يَفْضُضِ اللَّهُ فَاكَ ” ، فَقَالَ :

“وَأَنْتَ لَمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ وَضَاءَتْ بِنُورِكَ الْأُفُقُ

فَنَحْنُ فِي ذَلِكَ الضِّيَاءِ وَفِي النُّورِ وَسُبُلِ الرَّشَادِ تَخْتَرِقُ” ([1])

فالاحتفال بالمولد النبوي الشريف هو الاحتفال بالإسلام عينه، ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم  هو رمز الإسلام. يقول الإمام متولي الشعراوي في كتابه “مائدة الفكر الإسلامي” : إذا كان بنو البشر فرحون بمجيئه لهذا العالم، وكذلك المخلوقات الجامدة فرحة لمولده وكل النباتات فرحة لمولده وكل الحيوانات فرحة لمولده وكل الجن فرحة لمولده، فلماذا تمنعونا من الفرح بمولده. ([2])

ونقول بأن هذه التجمعات في المولد مفيدة ومنشطة لجهة دعوة الناس للإسلام وتعليم الأطفال أمور الدين، كما أن فيها فرصة ذهبية لا تعوض لكل الأئمة والدعاة لكي يرشدوا ويذكَروا الأمة المحمدية بأخلاقه وطريقة عبادته ومعاملته للناس. وهذه إحدى السبل لجعل الأطفال يحبون النبي صلى الله عليه وسلم  ويذكرونه. عن طريق الحلوى والعصير والهدايا لإدخال البهجة إلى قلوبهم.

فالمسلمون في كل أنحاء العالم يحتفلون بمولد سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم  فرحا به وتذكيرا لنعم الله تعالى عليهم بمولده حيث قال الله تعالى في القرآن الكريم: )‏ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ( إبراهيم :‏ ‏5 .‏  وفسر المفسرون بالأيام بأنه الأيام بنعم الله وآلائه [روح المعانى للآلوسى]  فمولد الحبيبصلى الله عليه وسلم  أكبر نعمة على الإطلاق.

إن الابتهاج والاحتفال بيوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم  يعود بفائدة، بفضل الله ورحمته، حتى على الكافرين. وقد جاء في صحيح البخاري الذي ذكر في حديثه بأنه في كل يوم الاثنين يطلق سراح أبي لهب من عذاب القبر لأنه أعتنق جاريته ثويبة عندما بشرته بخبر مولد النبي صلى الله عليه وسلم . كما جاء في صحيح البخاري: قال عروة وثويبة مولاة لأبي لهب كان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشر حيبة قال له ماذا لقيت قال أبو لهب لم ألق بعدكم غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة ([3])

قال ابن كثير في “البداية والنهاية” إن أول من أرضعته صلى الله عليه وسلم  هي ثويبة مولاة أبي لهب وكان قد أعتقها حين بشرته بولادة النبي صلى الله عليه وسلم . ولهذا لما رآه أخوه العباس بعد موته في المنام بعدما رآه بشر حيبة، سأله: ما لقيت؟ قال: لم ألق بعدكم خيراً غير أني سقيت في هذه بعتاقتي لثويبة (وأشار إلى النقرة التي بين الإبهام والتي تليها من الأصابع). وأصل الحديث في الصحيحين. وقد ذكر السهيلي وغيره أنه قال لأخيه العباس في هذا المنام: وإنه ليخفف عني في كل يوم اثنين. ([4])

كما أن الحافظ شمس الدين بن نصر الدين الدمشقي كتب في كتابه «مورد الصادي في مولد الهادي».

إذا كان هذا كافراً جاء ذمه بتبّت يداه في الجحيم مخلّدا
أتى أنه في يوم الاثنين دائماً يخفف عنه للسرور بأحمدا
فما الظن بالعبد الذي كان عمره بأحمد مسروراً ومات موحّدا ([5])

 ورجَّح الكثيرون أن ليلة المولد أفضل من ليلة القدر، لأنها السابقة على ليلة القَدر وهي الأصل، وأن ليلة القدر شُرِّفَتْ بنزول القرآن والملائكة، وليلة المولد شُرِّفَتْ بظهور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو أفضل من الملائكة من وجوه التفضيل.

ونقل الطحطاوي عليه الرحمة في ” حواشي الدر المختار ” عن بعض الشافعية أن أفضل الليالي ليلة مولده عليه الصلاة والسلام ثم ليلة القدر ثم ليلة الإسراء والمعراج ثم ليلة عرفة ثم ليلة الجمعة ثم ليلة النصف من شعبان ثم ليلة العيد. ([6])

ولو لم يكن محمداً لما كان هناك إسلام، والقرآن. ففي تلك الليلة أرسل الله رسوله الحبيب الذي جاء بالإسلام والقرآن.

ويقول الشيخ متولي الشعراوي: “إن أشياء عجيبة حدثت يوم مولده كما ورد في الحديث والتاريخ، ولم تكن ليلة مولده كأية ليلة من ولادات بني البشر. وقد وردت هذه الأحداث والأحاديث العائدة لها كاهتزاز عرش كسرى، وانطفاء النار بفارس بعد أن دامت ألف عام، وغيرها في كتاب ابن كثير «البداية والنهاية» جـ2 ص 265-268.

وقال ابن الحاج في «المدخل»: «يجب علينا في كل يوم اثنين من ربيع الأول أن نكثر من العبادات لنحمد الله على ما أتانا من فضله بأن بعث فينا نبيه الحبيبصلى الله عليه وسلم   ليهدينا للإسلام والسلام» ([7])

وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم  اهتماماً بالغا ليوم مولده, وكان يعظمه، ويشكر الله تعالى فيه على نعمته الكبرى عليه، وتفضله عليه بالوجود لهذا الوجود، إذ سعد به كل موجود، وكان يعبر عن ذلك التعظيم بالصيام كما جاء في الحديث عن أبي قتادة:(أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن صوم يوم الاثنين فقال: “ذلك يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه”([8])

لذا، فهذا اليوم يشرف ذاك الشهر لأنه يوم النبي صلى الله عليه وسلم  ونفيد من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم  كان يعبر عن فرحه بهذا اليوم بالصوم، وهو نوع من العبادات. وبما أن النبي صلى الله عليه وسلم  أبدى اهتماماً بهذا اليوم بصومه عرفنا أن العبادة في مختلف أشكالها جائزة لبيان مكانة هذا اليوم. وحتى لو تغير الشكل فالمحتوى قائم لذا فالصوم أو إطعام المساكين، أو الاجتماع لمدح النبي صلى الله عليه وسلم  أو تبيان مناقبه وخلقه الحسن كلها طرق لتبيان أهمية ذاك اليوم.

وقد جاء الأمر الإلهي بالابتهاج بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم  بقوله تعالى في كتابه العزيز: )قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ( (يونس: 58).

وقد جاء هذا الأمر لأن الفرح يجعل القلب شاكراً لرحمة الله. وأية رحمة إلهية أعظم من النبي صلى الله عليه وسلم  إذ قال الله تعالى فيه: )وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين( (الأنبياء: 17).

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم  بعث رحمة للعالمين كان لزاماً ليس على المسلمين فقط، بل على كافة البشر أن يفرحوا به. ولكن مع الأسف نجد أن بعض المسلمين هم في طليعة العاصين لأمر الله بالابتهاج بنبيه.

احتفال النبي صلى الله عليه وسلم  بالمناسبات التاريخية الكبرى:

كان النبي صلى الله عليه وسلم  دائم الربط بين المناسبات الدينية والأحداث التاريخية، وكلما مرت مناسبة هامة نبَه أصحابه للاحتفال بذلك اليوم والتأكيد على أهميته حتى لو كان الحدث قد تم في زمن سحيق. فعن ابن عباس رضي الله عنه قال : (قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالُوا : هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ ، فَصَامَهُ مُوسَى ، قَالَ : فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ ، فَصَامَهُ ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ) ([9])

يطلب الله من النبي صلى الله عليه وسلم  بأن يذكّر أمته بأن على من يدعي حب الله عليه أن يحب نبيه أيضاً: )قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (  (آل عمران: 31).

فالاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف يعد من الالتزام بالتكليف بحب النبي صلى الله عليه وسلم  وطاعته والإقتداء بسنته والفخر به لأن الله سبحانه وتعالى يفخر به في كتابه العزيز: ) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ( (القلم: 4).

فحب النبي صلى الله عليه وسلم  هو ما يميز المؤمنين في كمال إيمانهم. ففي حديث صحيح عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال:لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين (رواه البخاري ومسلم) فكمال الإيمان يعتمد على حب النبي صلى الله عليه وسلم

تحديد النبي صلى الله عليه وسلم  لأيام وأماكن ولادة الأنبياء:

 

لقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم  في حديثه أيام وأماكن ولادة الأنبياء السابقين. لقد صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في فضل الجمعة : “وفيه خلق آدم” ([10])

وفيه أن أهمية يوم الجمعة تعود لكون آدم ولد فيه وهو نبي وأب لجميع الناس فكيف باليوم الذي خلق فيه أعظم الأنبياء وخير البشر.؟ ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني عند الله لخاتم النبيين وآدم مجندل في طينته ([11])  وقال صلى الله عليه وسلم  : “كنت أول النبيين في الخلق، وآخرهم في البعث”([12])

 عن شداد بن عويس أمر جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم  بصلاة ركعتين ببيت لحم ثم قال له: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى ([13])

تاريخ الاحتفال بالمولد في مكة المكرمة:

وقد ذكر الأزرقي(المتوفى: 250هـ) في كتابه أخبار مكة ” أنه من بين الأماكن التي تستحب الصلاة فيها المنزل الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم . ([14])

كما ذكر النقاش -وهو من علماء القرن- : بأن موضع ولادة النبي صلى الله عليه وسلم  هو مكان يستجاب فيه الدعاء عند الظهر من كل يوم اثنين. ([15])

أول الاحتفال بالمولد:

فقد ورد في فتاوي الأزهر ج8 ص 255: عن المفتي الشيخ عطية صقر: أنّه كان يُحتفَل به بمصر فيما قبل سنة 488

ومن أوائل من احتفل به من علماء أهل السنة من أهل المشرق الشيخُ الصالحُ عمر المَلاَّ الموصلي المتوفى سنة 570 مع صاحب الموصل وكان السلطان نور الدين زنكي من اخص محبيه . ذكر الحافظ أبو شامة في حوادث سنة 566 من كتاب الروضتين في أخبار الدولتين. ([16])

قدم المصادر التي ذكر فيها إقامة احتفال عام لذكرى المولد هي كما قال ابن جبير( المولود في 540هـ وتوفي 614هـ): “يفتح هذا المكان المبارك أي منزل النبي صلى الله عليه وسلم   ويدخله جميع الرجال للتبرّك به في كل يوم اثنين من شهر ربيع الأول ففي هذا اليوم وذاك الشهر ولد النبي صلى الله عليه وسلم .([17])

وذكر أبو العباس العَزَفي(557-633هـ):  “كان الحجاج الأتقياء والمسافرون البارزون يشهدون أنه في يوم المولد في مكة لا يتم بيع ولا شراء كما تنعدم النشاطات ما خلا وفادة الناس إلى هذا الموضع الشريف. وفي هذا اليوم أيضاً تفتح الكعبة وتزار. ([18])

ويروي ابن بطوطة:( 703779هـ)  “أنه بعد كل صلاة جمعة وفي يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم  يفتح باب الكعبة بواسطة كبير بني شيبة، وهم حجّاب الكعبة، وأنه في يوم المولد يوزع القاضي الشافعي وهو قاضي مكة الأكبر نجم الدين محمد ابن الإمام محيي الدين الطبري الطعام على الأشراف وسائر الناس في مكة. ([19])

فيما يذكر الإمام السيوطي أن أول من احتفل بالمولد بشكل كبير ومنظم هو حاكم أربل (في شمال العراق حاليًا) الملك المظفر أبو سعيد كوكبري بن زين الدين علي بن بكتكين،([20]) والذي وثقه علماء السنة بأقوالهم:

قال السيوطي وابن كثير: أنه أحد الملوك الأمجاد والكبراء الأجواد، وكان له آثار حسنة، وهو الذي عمر الجامع المظفري بسفح قاسيون.

قال ابن خلكان في ترجمة الحافظ أبي الخطاب ابن دحية: «كان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء، قدم من المغرب فدخل الشام والعراق واجتاز بإربل سنة أربع وستمائة فوجد ملكها المعظم مظفر الدين بن زين الدين يعتني بالمولد النبوي فعمل له كتاب (التنوير في مولد البشير النذير)، وقرأه عليه بنفسه فأجازه بألف دينار»([21])

قال الحافظ الذهبي: كان متواضعا خيرا سنيّا يحب الفقهاء والمحدثين ([22])

قال ابن كثير: كان الملك المظفر يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً، وكان شهمًا شجاعًا بطلاً عاقلاً عالمًا عادلاً. ([23])

أراء العلماء والمحدثين في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف:

رأي ابن تيمية : “فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون لهم فيه أجر عظيم لحسن قصدهم وتعظيمهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم “([24])

الامام ابن كثير: ويذكر الإمام ابن حجر العسقلاني في كتاب الدرر الكامنة في عين الماء الثامنة. عن ابن كثير يقول وفي آخر أيامه دوّن كتاباً عنوانه مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم  بلغت شهرته الآفاق. وهو يقول: “إن ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم  كانت ليلة شريفة عظيمة مباركة سعيدة على المؤمنين، طاهرة، ظاهرة الأنوار جليلة المقدار.” ([25])

قال الإمام السبكي: عندما نحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف يدخل الأنس قلوبنا ونشعر بشيء غير مألوف.

وقال الإمام الشوكاني في كتابه «البدر الطالع»: «إن الاحتفال بالمولد النبوي جائز».

وأن الملاّ علي القاري كان له الرأي نفسه في كتاب اسمه “المورد الراوي في المولد النبوي”، وقد وضعه خصيصاً ليؤيد الاحتفال بالمولد النبوي.

السيوطي، حيث قال: “عندي أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف” ([26])

يقول الإمام السيوطي أيضا: وظهر لي تخريجه على أصل آخر، وهو ما أخرجه البيهقي، عن أنس، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم  عقّ عن نفسه بعد النبوة. ([27])

مع أنه قد ورد أن عبد المطلب قد عقّ عنه في سابع ولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل على أن الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم  كان إظهاراً للشكر على إيجاد الله تعالى إياه، رحمة للعالمين، وتشريفاً لأمته، كما كان يصلي على نفسه، لذلك فيستحب لنا أيضاً إظهار الشكر بمولده باجتماع الإخوان، وإطعام الطعام، ونحو ذلك من وجود القربات، وإظهار المسرات. ([28])

ابن الجوزي، حيث قال عن المولد النبوي: “من خواصه أنه أمان في ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام”([29])

ابن حجر العسقلاني، حيث قال الحافظ السيوطي: “وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل ابن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه: أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كانت بدعة حسنة، وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم، فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون, ونجى موسى، فنحن نصومه شكرا لله، فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة، أو دفع نقمة.. إلى أن قال : وأي نعمة أعظم من نعمة بروز هذا النبي صلى الله عليه وسلم.. نبي الرحمة في ذلك اليوم، فهذا ما يتعلق بأصل عمله، وأما ما يعمل فيه: فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة”([30])

السخاوي، حيث قال عن المولد النبوي: “لم يفعله أحد من السلف في القرون الثلاثة, وإنما حدث بعدُ, ثم لا زال أهل الاسلام من سائر الأقطار والمدن يعملون المولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم”([31])

ابن الحاج المالكي، حيث قال: “فكان يجب أن نزداد يوم الاثنين الثاني عشر في ربيع الأول من العبادات والخير شكرا للمولى على ما أولانا من هذه النعم العظيمة وأعظمها ميلاد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم”([32])

وقال أيضا: “ومن تعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم الفرح بليلة ولادته وقراءة المولد”([33])

ابن عابدين، حيث قال: “اعلم أن من البدع المحمودة عمل المولد الشريف من الشهر الذي ولد فيه صلى الله عليه وآله وسلم”. وقال أيضا: “فالاجتماع لسماع قصة صاحب المعجزات عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات من اعظم القربات لما يشتمل عليه من المعجزات وكثرة الصلوات”([34])

الحافظ عبد الرحيم العراقي، حيث قال: “إن اتخاذ الوليمة وإطعام الطعام مستحب في كل وقت فكيف إذا انضم إلى ذلك الفرح والسرور بظهورنوررسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر الشريف ولا يلزم من كونه بدعة كونه مكروها فكم من بدعة مستحبة قد تكون واجبة”([35])

الحافظ شمس الدين ابن الجزري، حيث قال الحافظ السيوطي: “ثم رأيت إمام القراء الحافظ شمس الدين ابن الجزري قال في كتابه المسمى (عرف التعريف بالمولد الشريف) ما نصه: قد رؤي أبو لهب بعد موته في النوم فقيل له: ما حالك؟ فقال: في النار إلا أنه يخفف عني كل ليلة اثنين، وأمص من بين أصبعي ماء بقدر هذا- وأشار لرأس أصبعه -، وأن ذلك بإعتاقي لثويبة عندما بشرتني بولادة النبي صلى الله عليه وسلم وبإرضاعها له. فإذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحه ليلة مولد النبي صلى اله عليه وسلم به فما حال المسلم الموحد من أمة النبي صلى الله عليه وسلم يسر بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته صلى الله عليه وسلم، لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله جنات النعيمة”([36])

أبو شامة (شيخ النوويحيث قال: “ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يُفعل كل عام في اليوم الموافق لمولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات، والمعروف، وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مشعرٌ بمحبته صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك وشكراً لله تعالى على ما منّ به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين”

ويقول أيضا: وقال الإمام أبو شامة، شيخ الإمام النووي: أفضل ذكرى في أيامنا هي ذكرى المولد النبوي. ففي هذا اليوم يكثر الناس من الصدقات ويزيدون في العبادات ويبدون كثيراً من المحبة للنبي صلى الله عليه وسلم  ويحمدون الله تعالى كثيراً بأن أرسل إليهم رسوله ليحفظهم على سنة وشريعة الإسلام. ([37])

الشهاب أحمد القسطلاني (شارح البخاري)، حيث قال: “فرحم الله امرءا اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعيادا، ليكون أشد علة على من في قلبه مرض وإعياء داء”([38])

أئمة السنة ممن ألفوا كتبا مخصوصة في المولد النبوي:

 

ذكر محمد علوي المالكي عددًا من العلماء ممن ألفوا في المولد النبوي كتبًا،([39]) منهم:

اسم الكتاب تاريخ الوفاة اسم الكاتب المسلسل
المورد الهني في المولد السني. 808 هـ الحافظ عبد الرحيم العراقي 1
مولد طبع بتحقيق د صلاح الدين المنجد 774 هـ، الحافظ ابن كثير 2
الفخر العلوي في المولد النبوي 902 هـ، الحافظ السخاوي 3
مولد باسم العروس، 597 هـ، الحافظ ابن الجوزي 4
التنوير في مولد البشير النذير. 633 هـ الحافظ أبو الخطاب عمر بن علي بن محمد المعروف بابن دحية الكلبي 5
المورد الصاوي في مولد الهاديوجامع الآثار في مولد المختار

واللفظ الرائق في مولد خير الخلائق.

842 هـ، شمس الدين ابن ناصر الدين الدمشقي 6
المورد الروي في المولد النبوي 1014 هـ، ملا علي قاري 7
عرف التعريف بالمولد الشريف. 660 هـ، الحافظ شمس الدين ابن الجزري 8
الموارد الهنية في مولد خير البرية. 911 هـ، علي زين العابدين السمهودي 9
وله مولد مطبوع في مصر. 944 هـ الحافظ محمد الشيباني المعروف بابن الديبع 10
إتمام النعمة على العالم بمولد سيد ولد آدم. 974 هـ، ابن حجر الهيتمي: توفي 11
المولد الروي في المولد النبوي. 1014 هـ، الخطيب الشربيني 12
عقد الجوهر في مولد النبي الأزهر 1177 هـ المحدث جعفر بن حسن البرزنجي 13
وله مولد مطبوع في مصر. 1201 هـ، أبو البركات أحمد الدردير 14
له مولد مخطوط. 1305 هـ، عبد الهادي نجا الأيباري المصري 15
جواهر النظم البديع في مولد الشفيع 1350 هـ، يوسف النبهاني 16
الضياء اللامع بذكر مولد النبي الشافع. * عمر بن حفيظ 17
مولد الهادي صلى الله عليه وسلم * نوح القضاة: مفتي الأردن 18

[1] -(المعجم الكبير: للإمام الطبراني، جـ4، صـ213. والمستدرك على الصحيحين للإمام الحاكم النبيسابوري: جـ3، صـ326. وتاريخ الإسلام: للإمام الذهبي, باب منه, رقم الحديث:33)

[2] -( “على مائدة الفكر الإسلامي”للإمام المتولي الشعراوي.  ص 295. دار العودة، بيروت، طـ1982م.)

[3] (صحيح البخاري » كتاب النكاح » باب وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب. رقم الحديث:  4813 . دار ابن كثير. سنة النشر: 1414هـ / 1993م

[4] – (ذكره ابن كثير في كتبه «سيرة النبي» الجزء الأول ص 124، وفي كتاب «مولد النبي» ص 21، وفي كتاب «البداية والنهاية» ص 272 – 273 )

[5] الحافظ شمس الدين بن نصر الدين الدمشقي كتب في كتابه «مورد الصادي في مولد الهادي». ص14

[6] -(روح المعاني: المسمى بـ «روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني» الآلوسي – ج ٣٠ – الصفحة ١٩٤. في تفسير سورة القدر)

[7] -(المدخل: لابن الحاج الجزء الأول ص 261)

[8] -[رواه الإمام مسلم في “الصحيح” في كتاب الصيام ورواه أيضا أحمد وأبو داود.]

[9] -(صحيح البخاري في كتاب الصوم. باب 69 رقم الحديث: 2004  وكتاب الأنبياء باب 24 وابن ماجه ومالك في الموطأ والإمام أحمد)

[10] [أخرجه مالك في الموطأ (1/108) والترمذي (رقم 491) وقال : حسن صحيح ].  

[11] [رواه ابن كثير في كتاب مولد رسول الله r ورواه أحمد في مسنده والبيهقي في دلائل النبوة.]

[12] -( المقاصد الحسنة فيما اشتهر على الألسنة » رقم الحديث: 800)

[13] -(رواه البزار وأبو يعلي والطبراني. وكذلك الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد، ورجاله رجال الصحيح ج1 ص47 وقد نقل هذه الرواية الحافظ بن حجر في الفتح ج7 ص199.)

[14] -[أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار المؤلف: أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن الوليد بن عقبة بن الأزرق الغساني المكي المعروف بالأزرقي (المتوفى: 250هـ) المحقق: رشدي الصالح ملحس الناشر: دار الأندلس للنشر – بيروت. جـ2، صـ160]

[15] -((ص. 266 – 351) وذكره الفاسي في كتاب شفاء الغرام (ص. 199 الجزء الأول)، وغيره‎.) 

[16] -(الكتاب: الروضتين في أخبار النورية و الصلاحية. المؤلف : أبو شامة المقدسي. مصدر الكتاب : موقع الوراق. http://www.alwarraq.com

[17] -(كتاب رحال (ص. 114  115) لابن جبير)

[18] ( كتاب الدر المنظم. مخطوط)

[19] -(رحلة ابن بطوطة, جـ1 ص. 309 – 347)

[20] (حسن المقصد في عمل المولد، تأليف: جلال الدين السيوطي.)

[21] -( جلال الدين السيوطي في: حسن المقصد في عمل المولد)

[22] -(سير أعلام النبلاء، تأليف: الذهبي، 22\336)

[23]( البداية والنهاية، تأليف: ابن كثير، 13\136)

[24] -(مجمع فتاوى ابن تيمية الجزء 23 ص. 1634:)

[25] -(مولد رسول الله r: العلامة ابن كثير، صـ19. هذا الكتاب طبع في دار السعادة وايضا في دار ابن كثير وايضا دار عالم الكتاب بيروت وحققه من قبل الارناؤوط)

[26] -[ حسن المقصد في عمل المولد.، تأليف: جلال الدين السيوطي، ص4.. وراجع: تحفة المحتاج في شرح المنهاج: أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي. دار إحياء التراث العربي» كتاب النكاح » كتاب الصداق » فصل وليمة العرس

[27] -( مصنف عبد الرزاق. والسنن الكبرى للبيهقي. والخامس من الأفراد لابن شاهين)

[28] -( حسن المقصد في عمل المولد ص. 54 – 62:)

[29][ السيرة الحلبية، تأليف: علي بن برهان الدين الحلبي، 1/83 – 84  وتحفة المحتاج.].

[30] -[ حسن المقصد في عمل المولد، تأليف: جلال الدين السيوطي، ص10 وتحفة المحتاج]

[31] -[ السيرة الحلبية، تأليف: علي بن برهان الدين الحلبي، 1/ 83-84]

[32][ المدخل عن تعظيم شهر ربيع الأول، تأليف: ابن الحاج:1/361.].

[33] -[ الدرر السنية، ص190.]

[34][ شرح ابن عابدين على مولد ابن حجر.].

[35] -[ شرح المواهب اللدنية للزرقاني.]

[36] -[ الباعث على إنكار البدع والحوادث، تأليف: أبو شامة، ص13.]

[37] -[ المواهب اللدنية- 1-148-طبعة المكتب الإسلامي]

[38] -[ فتاوى شرعية وبحوث إسلامية، تأليف: حسنين محمد مخلوف، ج1، ص131.][على مائدة الفكر الإسلامي، تأليف: محمد متولي الشعراوي، ص295.]

[39] ( حول الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، تأليف: محمد علوي المالكي، ص93-103.)

Share:

Leave Your Comment